الجمعة، 20 مارس 2015

فوضى



من هؤلاء المتصارعين في أعماقنا أحدهما يتبنى كل ما يمتدحه التاس من أفعال وينال رضاهم ,
ليس توددا لهم وﻻ نيلا لكرم منهم بل هي فطرته التي وجد عليها ،
واﻷخر يلبي كل ما يرفضه المنطق ويستدعي الريبة والشك وحتى الخجل من التصريح به كثيرا من اﻷحيان .
في كل جسد يجتمع هذين الصوتين اللامتفاهمين يتحاوران يرفعان درجات الصوت حتى يطبق صراخهم على كل مايحيط بالجسد وتعم الضوضاء وتختلط الوجوه وتتخابط الجدران حتى يشعر بإنهيارها أمامه .. قد تنهار عليه أحيانا .

الغريب أن تمر فترة من السلم يستكين أحدهما للأخر دون ملامسة واقعية للأسباب ربما هي العوامل المحيطة ,
كالحديث مع بشر أكثر عقلانية وإتزانا وبينهم وبين الهوى حاجز ﻻ يمكن القفز منه فيخشى صوت الهوى أن يرتفع خوفا أو خجلا أو أن وجودهم كمم فاه . 
والعكس تماما والمؤرق حقا طغيان صوت الهوى على صوت المنطق ولكي ﻻ نتجنب الحياد لنقل أن الهوى هو هوى النفس والمنطق هو العقل ومهما حاولنا تجاهل صوت العقل نعجز عن ذلك وإن خالفناه وهنا يكمن الصراع وهنا السر والسؤال .

لما تتصارع النفس مع العقل وهي تعلم تماما أنه ﻻ ينطق إلا ما به صالحها لما تسعى لمخالفته والتمرد عليه ثم تصرخ ندما ,
لما تتعالى على كل حواراته وترمي بخطاباته عرض الحائط طالما النحيب هو نهاية الإختلاء ،
لما وهي تعلم أن هذا العقل ﻻ يجيد السكوت بل يتفنن في تكرار اللوم وسرد اﻷخطاء وﻻ يمل المفاخرة بأنه قد نبهها عن المسار الخاطئ ومايؤول إليه لما ولما ولما .

عبثا نتساءل فلا النفس ساكنة وﻻ العقل قادر على منعها حتى يردينا هذا الصراع إما كتلة ﻻ مبالية للمنطق هوجاء تائهة أو جثة أرهقها جمود العقل وقوانينه دائمة التجدد تبحث عن التوازن فتجده حينا ويضيع أحيان وتسيطر النفس ويعود اللوم البغيض فكل مايحيط بنا هوى فالحب هوى والكره أيضا ، الترف هوى والبخل أيضا ، الضحك هوى والبكاء أيضا ، القرب هوى والبعد أيضا وماذا بعد هوى وأيضا سيهلكنا التعداد فلا أدركنا السكون وﻻ الجنون ..

وعدنا وخضنا بين هراء ومثله و قضاء ورفضه وحرمان وجذبه و نفس عنيدة تأبى أن تخضع أو تستكين وجسد مرهق يخوض مع الخائضين وعقل ! أي عقل هذا الذي يستيقظ بالنهار وينام بالليل ليزيد من عذابات الروح و .. و...
وما جنينا من هذا التحدي اﻷزلي إلا تفاقما في الظلم وروح في وسط الأمواج ترفعها تارة وتغوص بها أخرى ﻻ معنى لقشة تتعلق بها وسط الهرج والمرج الخارج عن سيطرة الجسد تلك اللحظة ، وﻻ مخرج له منها إلا معجزة إلهية أو إستسلامه للماء تاركا الروح تنهي هذه المهزلة بخلع ذاتها من هذا المصير .

هواجس مستمرة وكآبة تصاحب الهدوء "إن حل" ونفاق مقيت وها هو صوت أخر يصرخ "لست أنا في جميع اﻷحوال " لعل هذا الصوت هو صوت الحقيقة فمن منا يعلم مايريد ومن منا مايحب أن يكون عليه ومن منا يتحدى نظراتهم وتساؤلاتهم المليئة بالتعجب وكأنهم أرادو ماهم عليه اﻷن .
ﻻ أدري ليست اﻹجابة في حوزتي ربما هناك من سكنت جوارحه حقا وكما يشاء أو قيد عقله وفق ما أراد ولكني لست منهم وهنا نعود إلى نقطة البداية دون نفع ودون حل فلا السرد يجدي وﻻ السؤال وﻻ الصمت حتى . فالصراع مستمر والفوضى تعلو أخشى أن يسمعها المارة .
أيتها الفوضى الساكنة جوفي ارحلي عني اتركيني وشأني وﻻ تأتي على ماتبقى مني . أو حطمي كل شيء وحرري روحي من هذا الجسد البائس المستسلم ﻷقداره أكثر من صنم .